سورة طه - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{إِذْ رَأَى نَارًا} وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته، فأذن له فخرج بأهله وماله، وكانت أيام الشتاء، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته في سقمها، لا تدري أليلا أم نهارا. فسار في البرية غير عارف بطرقها، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد، وأخذ امرأته الطلق، فقدح زنده فلم يوره.
وقيل: إن موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار، لئلا ترى امرأته، فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية، لما أراد الله عز وجل من كرامته، فجعل يقدح الزند فلا يوري، فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور، {فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا} أقيموا، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص، {إِنِّي آنَسْتُ} أي: أبصرت، {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} شعلة من نار، والقبس قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار، {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} أي: أجد عند النار من يدلني على الطريق. {فَلَمَّا أَتَاهَا} رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها، أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوإ ما يكون، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة، ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار.
قال ابن مسعود: كانت الشجرة سمرة خضراء.
وقال قتادة، ومقاتل، والكلبي: كانت من العوسج.
وقال وهب: كانت من العليق.
وقيل: كانت شجرة العناب، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا.
وقال أكثر المفسرين: إنه نور الرب عز وجل، وهو قول ابن عباس، وعكرمة، وغيرهما.
وقال سعيد بن جبير: هي النار بعينها، وهي إحدى حجب الله تعالى، يدل عليه: ما روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
وفي القصة أن موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة وكان كلما دنا نأت منه النار، وإذا نأى دنت، فوقف متحيرا، وسمع تسبيح الملائكة، وألقيت عليه السكينة.


{نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} قرأ أبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو، {أني} بفتح الألف، على معنى: نودي بأني. وقرأ الآخرون بكسر الألف، أي: نودي، فقيل: إني أنا ربك.
قال وهب نودي من الشجرة، فقيل: يا موسى، فأجاب سريعا لا يدري من دعاه، فقال: إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ قال: أنا فوقك ومعك، وأمامك وخلفك، وأقرب إليك من نفسك، فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله، فأيقن به.
قوله عز وجل: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} وكان السبب فيه ما روى عن ابن مسعود مرفوعا في قوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} قال: كانتا من جلد حمار ميت. ويروى غير مدبوغ.
وقال عكرمة ومجاهد: أمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة، فيناله بركتها لأنها قدست مرتين، فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي.
{إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ} أي المطهر، {طُوًى} وطوى اسم الوادي، وقرأ أهل الكوفة والشام: {طوى} بالتنوين هاهنا وفي سورة النازعات، وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول عن طاو فلما كان معدولا عن وجهه كان مصروفا عن إعرابه، مثل عمر، وزفر، وقال الضحاك: {طوى}: واد مستدير عميق مثل الطوى في استدارته.


{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} اصطفيتك برسالاتي، قرأ حمزة: {وأنا} مشددة النون، {اخترناك} على التعظيم. {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} إليك.: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} ولا تعبد غيري، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} قال مجاهد: أقم الصلاة لتذكرني فيها، وقال مجاهد: إذا تركت الصلاة ثم ذكرتها، فأقمها.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحين أخبرنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني، أخبرنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله الحفيد، أخبرنا الحسين بن الفضل البجلي، أخبرنا عفان، أخبرنا قتادة عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» ثم قال: سمعته يقول بعد ذلك: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} قيل معناه إن الساعة آتية أخفيها. و{أكاد} صلة. وأكثر المفسرين قالوا: معناه: أكاد أخفيها من نفسي، وكذلك في مصحف أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود: أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق.
وفي بعض القراءات: فكيف أظهرها لكم. وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون: كتمت سرك من نفسي، أي: أخفيته غاية الإخفاء، والله عز اسمه لا يخفى عليه شيء.
وقال الأخفش: أكاد: أي أريد، ومعنى الآية: أن الساعة آتية أريد أخفيها.
والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف، لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت.
وقرأ الحسن بفتح الألف أي أظهرها، يقال: خفيت الشيء: إذا أظهرته، وأخفيته: إذا سترته.
قوله تعالى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} أي بما تعمل من خير وشر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8